من هو أبو العلاء المعري
2 مشترك
الـقـمـــــر الـشـــــارد :: المنتديات الشعرية :: ...منتدى الشعر العربي القديم :: .........ما بعد الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
من هو أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري
في صباي الباكر، حين أخذت أتلمس طريقي في أرض الشعر القديم. لم يخطر ببالي أن يقوم بيني وبين المعرّي هذا الحوار، أو تنشأ بيني وبينه هذه المودة العميقة.
لم يكن المعري في تلك المرحلة - أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات - مجهولاً أو ملعونًا كما كان من قبل. بل أصبح بفضل طه حسين اسمًا مهيبًا جليلاً مثيرًا، ورمزًا من رموز الاستنارة وحرية الفكر وشجاعة العقل وارتياد المجهول شأن الأرواح العظيمة التي ارتفعت فوق تقاليد الثقافات القومية وصارت علامات في تاريخ الحضارة وملكا للإنسانية كلها.
غير أن قراءة المعرّي في ذلك الوقت كانت -بالنسبة لي ولغيري- صعبة مرهقة. كان الناس يقرأون (مع أبي العلاء في سجنه)، ويتابعون ما يدور من جدل هادئ أو صاخب، مباشر وغير مباشر بين طه حسين، والعقاد، وأمين الخولي، ومحمد فريد وجدي، وعلي أدهم، وكامل كيلاني، ومحمد مندور، وفي الستينيات بين لويس عوض ومحمود شاكر حول شعر المعّري، وفلسفته، وعلاقتها بالفلسفات القديمة والحديثة، و(رسالة الغفران)، وثقافة المعرّي، وعقيدته، وإيمانه وإلحاده. لكن القليلين منهم أو المتخصصين هم الذين كانوا يقرأون (اللزوميات) أو (سقط الزند) أو (رسالة الغفران).
ولقد عرفت المعرّي أول ما عرفته بقليل مما كتبه هو وكثير مما كُتب عنه، فأحببت صاحب السيرة، وانفعلت بشجاعة عقله وكبريائه، وتواضعه، وإبائه، وتمرده، وصلابة خلقه. ولم أجد في نفسي آنذاك حاجة قوية لقراءة شعره.
كنت أحفظ في ذلك الوقت من قصيدة (العلائي)* في الذكرى الألفية للمعرّي أكثر مما أحفظ من شعر صاحب الذكرى الذي لم يكن متاحا لي منه إلا مختارات قليلة من (سقط الزند)، وهو شعره الذي قاله في صباه، فهو لا يخلو من صناعة ظاهرة، وغرام بالغريب، وتهالك على المحسنات، وإن لم يخْلُ أيضا من تحف رائعة، منها مرثيته الشهيرة للفقيه الحنفي التي مطلعها (غير مُجْدٍ في ملّتي واعتقادي.. نَوحُ باكٍ ولا ترنم شاد) وكنت أعرف بالطبع أن شعره في اللزوميات أفضل بكثير، لأنه ثمرة نضج الشخصية وإدراكها لذاتها وامتلاكها لأدواتها، وكنت أقرأ ما أجده من (اللزوميات) في الصحف والمؤلفات المكتوبة عنه، لكني كنت آنذاك مستغرقًا في قراءة الرومانتيكيين والمجددين متعصبًا لهم، فضلا عن بعض الجاهليين الذين اعتقدت آنذاك أنني أستغني بهم عن الكثيرين ممن جاءوا بعدهم، فلم يغرني من شعراء العصور التالية إلا بعض المتصوّفة وبعض العشاق والمُجّان. وظل هذا موقفي إلى أواسط الستينيات حين نشر لويس عوض سلسلة مقالاته (على هامش الغفران) في (الأهرام) فاشتعلت بينه وبين المحقق محمود شاكر معركة عنيفة جدا تصارع فيها العقل مع النقل، وتاريخ الفكر مع فقه النصوص، وخلال متابعتي لهذا الصراع استكملت مقتنياتي من آثار أبي العلاء وانكببت على قراءتها، بادئًا بنسخة صلاح عبد الصبور من (اللزوميات).
أذكر قصيدة من سبعة أبيات كانت مدخلي إلى قراءة اللزوميات. مطلعها هكذا
(تقواك زاد فـــــاعتقد أنــــه أفضـل مـا أودعتـه فـي السـقاء).
وقد أحببت هذه القصيدة بعمق، وصرت أرويها وأتغنى بأبياتها حتى التفت لها عبد الوهاب البياتي، فاستوحاها لزومية من بحرها السريع وقافيتها الهمزية الساكنة مع القاف، يقول في مطلعها (حزنٌ بلا صوتٍ، وقيثارةٌ / أرهَفَها قبل الأوان الشقاءْ). وقد جعلت همزية المعرّي ضمن مختارات من الشعر القديم والحديث قدمتها للقارئ مع تعليقات تساعده على قراءتها وتذوقها في كتاب سميته (في مملكة الشعر).
والمعرّي بالنسبة لي شاعر قبل أي صفة أخرى. لكنه شاعر فريد لم يتكرر في الشعر العربي، فليس شعره من نسيج الذاكرة الجامعة الحافظة وتلفيقاتها، وإنما هو خيال شجاع محلق مغامر يمزق الصمت، ويطرق الأبواب، ويطرح الأسئلة الرهيبة، أسئلة الشاعر الملهوف المثقف المعذب بالتجربة الباحث عن الجواب.
الشاعر كما تمثل في المعرّي كان عند الكثيرين طارئًا غريبًا على الشعر العربي، أو كان مفكرًا يستخدم الشعر، أكثر من كونه شاعرًا يعيش الشعر بكل كيانه وجوارحه، أو لا يعيش إلا الشعر، فليس له شغل، ولا لغة، ولا متعة، ولا نسب، ولا قضية، ولا التزام إلا الشعر.
والمعرّي هو أحمد بن عبد الله بن سليمان. ولد في معرّة النعمان في شمال سوريا سنة ثلاث وستين وثلاثمائة هجرية (973 ميلادية) وفي الرابعة من عمره أصيب بالجدري وفقد بصره. درس على أبيه الذي مات وهو في الرابعة عشرة من عمره، فرحل إلى حلب حيث كانت الحركة الثقافية التي ازدهرت في ظل سيف الدولة لاتزال نشيطة، ومن حلب إلى أنطاكية، وكانت لاتزال تدافع عما بقي لها من تراثها البيزنطي، ومن أنطاكية توجّه إلى طرابلس الشام، ومرّ باللاذقية فأخذ عن بعض الرهبان ما وجده عندهم من علوم اليونان وآرائهم الفلسفية.
في عام 398 هجرية رحل إلى بغداد حيث مكث عامين عاد بعدهما إلى معرّه النعمان ليجد أمه قد لحقت بأبيه فاعتزل الناس إلاّ خاصة طلاّبه وخادمه الذي كان يتقاسم معه دخله السنوي وهو ثلاثون دينارًا كان يستحقها من وقف. ورحل المعري سنة تسع وأربعين وأربعمائة هجرية.
لم يبق من مؤلفاته إلاّ (سقْط الزند)، و(اللزوميّات)، و(رسالة الغفران)، وعدد من الرسائل الصغيرة.
أغاني المحبسين
آه غدًا
تقــــواكَ زادٌ فـــاعتقِدْ أنـــهُ.............أَفضلُ ما أودعتَهُ في السِّقـــاءْ
آهٍ غـــدًا مــن عَــرَقٍ نــازلٍ............ومهجـــةٍ مولعـــةٍ بارتقـــاءْ
ثـــوبيَ محتــاجٌ إلــى غاســلٍ ............وليــتَ قلبــي مثلـهُ فـي النقـاءْ
مـــوتٌ يســيرٌ معــهُ رحمــةٌ............ خــيرٌ مـن اليسـرِ وطـولِ البقـاءْ
وقـــد بلَوْنــا العيش أطوارَهُ ............فمــا وجدنــا فيـهِ غـيرَ الشـقاءْ
تقَـــدَّمَ النـــاس فيــا شــوقَنا ............إلــى اتّبــاعِ الأَهــلِ والأَصدقـاءْ
مــا أطْيَــبَ المــوتَ لشُــرَّابهِ............ إن صــحَّ للأَمـواتِ وَشْـكُ التقـاءْ
أيام الشباب
أصبـحتُ أَلحـــى خَلَّتيَّــــا............هــــاتيكَ أُبغِضُهــــا وتَيّـــا
ودُعِيــــتُ شـــيخًا, بعدَمـــا ............سُـــمّيتُ, فــي زمــنٍ, فُتيّــا
وكفيتُ صَحبــــي إِلَّتيَّــــا ............بعــــدَ اللُّتيّــــا واللُّتيّــــا
ســـــقيًا لأيــــامِ الشــــبا............ بِ, ومـــا حسَـــرتُ مطيَّتيَّــا
أيــــــامَ آمُــــــلُ أنْ أَمُسَّ ............الفرقــــــدَين براحتيّــــــا
وأِفيــــضُ إِحســـاني عـــلى............جــــاريَّ, ثَـــمَّ, وجارَتيّـــا
فــــالآن تعجــــزُ همَّتـــي ............عمَّــــا يُنــــالُ بخُطوَتيّـــا
أوصــــى ابنتيـــهِ لبيـــدٌ الـ ............مـــاضي, ولا أوصــي ابنتيَّــا
لســتُ المفــاخرَ, فــي الرّجــا ............لِ, بعَمَّتــــــيَّ وخالتيَّـــــا
لكـــــنْ أُقِــــرُّ بــــأنَّني............ضـَرَعٌ ، أُمْــــارسُ دارتيّا
واللّــــــهُ يرحـــــمني, إذا ............ أُودِعـــتُ أَضَيَـــقَ ســـاحتيّا
لا تَجــــــعلَنْ حـــــالي, إذا ............غُيِّبــــتُ, أيــــأسَ حالتيّـــا
لا تظلموا الموتى
الغيــبُ مجــهولٌ, يُحــارُ دليلُـهُ; واللُّــبُّ يــأمرُ أهلَــه أن يتَّقُـوا
لا تظلمـوا المـوتى, وإِن طـال المدَى; إِنــي أخــافُ عليكــمُ أن تلتقُـوا
الرواة الكذابون
ألا يكشِـفُ القُصّـاصَ والٍ, فـإنْ همُ ............أتَــوْا بيقيــنٍ, فليقُصُّــوا لِيَنفعـوا
وإنْ خَرَصـــوا مَينًا، بغيـرِ تحرُّجٍ،............ فـأوجبُ شـيءٍ أن يُهـانوا ويُصفَعوا
ثلاثة سجون
أرانــي فـي الثلاثـةِ مـن سـجوني ............فلا تسأَل عن الخبـــر النبيثِ
لفقــدي نــاظري ولــزومِ بيتـي ............وكــون النفس فـي الجسـد الخـبيثِ
العصا الوفية
عصًـا فـي يدِ الأعمى يرومُ بها الهدى ............أَبَـرُّ لـهُ مـن كـلّ خـدنٍ وصاحبِ
فأَوســعْ بنـي حـواء هجـرًا فـإنهم ............يسيرون في نهجٍ من الغدرِ لاحبِ
وإن غَـيَّرَ الإثـمُ الوجـوهَ فمـا ترى ............لـدى الحشـرِ إلا كـلَّ أسـودَ شاحبِ
إذا مـا أشـارَ العقـلُ بالرشـدِ جرَّهم ............إلـى الغـيّ طبـعٌ أَخْـذُهُ أَخْـذُ ساحبِ
أيتها النفس
أيَّتُهـــــا النفسُ لا تُهـــــالي!............ شــرْخيَ قــد مــرَّ واكتهــالي
لـــم يبـــقَ إلا شَــفًا يســيرٌ,............قــرَّبَ مــن مــوْردِي نِهــالي
وابتهـــلَ الدَّهــرُ فــي أذاتــي............وكــانَ فــي البــاطِلِ ابْتهــالي
وأُمُّ دَفــرٍ فتـــــاةُ سُــوءٍ،............ تخـــبُؤني فــي ثــرىً مُهــالِ
مُرْسِــــلةً غــــارةً بخَـــيْلٍ,............قد غنــيَتْ عن هَبٍ وهـــالِ
وجـــدْتُ حُــبِّي لهــا قديمًــا,............وقـــد تبيَّنـــتُ مَقتَهــا لــي
وجوه للبيع!
أجــارحيَ الــذي أدمــى أسـاني,............وســالبُ حُــلَّتي عنــي كسـاني
فمــا لـي لا أقـولُ, ولـي لسـانٌ,............وقــد نطَــقَ الزمـانُ بـلا لسـانِ
عسـا عمـرٌو عـن الطـوقِ المُعرِّي,............فقد جـانبتُ علــيِّ، أو عســاني
وبيعــت بــالفلوس, لكـلِّ خَـزيٍ,............وُجـــوهٌ كالدَّنـــانيرِ الحِســـانِ
ولــوْ أنــي أُعَــدُّ بـألفِ بحـرٍ, ............لمــرَّ عــليّ مــوْتٌ, فاحتسـاني
ظلامــي والنهــارُ قــد اســتمرا ............عــليَّ, كمــا تتــابعَ فارســانِ
سحاب المنون
دمـعٌ, عـلى مـا يفـوتُ, منسـكبٌ............مـا الكـأسُ مـن همَّتـي ولا الجـامُ
نحــنُ ذئــابٌ ضَرَّاؤنــا مَــددٌ, ............لا أُسُــــدٌ, والثيـــابُ آجـــامُ
والنـاسُ شـتَّى, جـرَى بهـمْ قـدَرٌ,............إذا طَغـــى لــم يعُفْــهُ إلجــامُ
وعــالمي فــي ســفاهةٍ وخَـنّى, ............عالِمُـــهُ, بـــالظنونِ, رجَّـــامُ
قــد كــتبَ اللّـهُ للـردي صُحفـا, ............وبـــانَ نَقـــطٌ لهــا وإعْجــامُ
فيــا سَـحابَ المنـونِ! سِـلتِ بنـا, ............هل لكِ، أُخــرى الزمــانِ، إِنجامُ?
تــواصلتْ منــكِ, بيننــا, دِيـمٌ, ............وزِيـدَ فيهــا سَحٌ وإِثجــــامُ
كــم أســوَدٍ مـن أمامـهِ حُجُـبٌ, ............عليـــه ضيـــفُ الأذاةِ هجّـــامُ
وأحجــمَ القِــرنُ عــن فوارسِـه, ............ومــا لــرَيبِ المَنــونِ إِحجــامُ
تلــكَ بــلادُ النبـاتِ مـا سُـقِيتْ, ............والغيــمُ فــوقَ الرِّمــالِ سـجَّامُ
كونوا أشجارا
إذ عُـدَّتِ الأوطـانُ فـي كـلِّ بلـدةٍ, ............لقــومٍ, سـجونًا, فـالقبورُ حـصونُ
ومـا كـان هـذا العيشُ إلاَّ إذالةً ............فعــلَّ تُرابًــا بالحِمــامِ يصـونُ
فكـنْ بعـض أشجارٍ تقضَّتْ أُصولُها, ............ولـم يبـقَ, فـي الدُّنيا, لهنَّ غصونُ
النحلة الغافلة
قــد غــدَت النَّحـلُ إلـى نَوْرِهـا; ............ويحــكِ يـا نحـلُ لِمَـنْ تكسِـبينْ?
يجـيءُ مُشتــــارٌ بآلاتــهِ، ............فيلسَـبُ الأرْي ولا تَلْسبِيــنْ
أتحســبِينَ العمــرَ عِلمًــا بــه, ............لا بـــلْ تعيشــينَ ولا تَحســبينْ
هــل لــكِ بالآبـاءِ مـن خِـبرَةٍ, ............كــم والــدٍ فــي زمَـنٍ تنسِـبِينْ
أتحســـبِينَ الدَّهـــرَ ذا غفلــةٍ, ............هيهـاتَ! مـا الأمـرُ كمـا تحسـبِينْ!
الدهر الأبله
عِشْ بخـيلاً, كـأهلِ عصـرِكَ هـذا, ............وتَبالَـــهْ, فــإنَّ دهــرَك أبْلَــهْ
قـومُ سـوءٍ, فالشِّبلُ منهم يغُول الليـ ............ثَ فَرْسًــا, والليــثُ يـأكلُ شِـبلهْ
إِن تُـرِدْ أن تخـصَّ حُـرًّا, مـن النا ............سِ, بخــيرٍ, فخُــصَّ نفسَـكَ قبلَـهْ
بَعِدَ الشَّرْبُ ، قرَبــوا أمَّ ليلــى ............لتعــيرَ اللسـانَ, فـي اللفـظِ, خبلَـهْ
أوْردُوكَ الأذى, لتغـــرَقَ فيـــه, ............وأَرَوْكَ الخَــنى, لتعــرِف سُــبلهْ
وأرانــي مـرمَى لصـرْفِ الليـالي, ............يحــتذيني, فلســتُ أعــدَمُ نَبْلــهْ
هــل تَـرى ناعبًـا, كعنـترة العَـبـ ............ســيّ, يبكـي عـلى منـازلِ عبلَـهْ
لا تَهَبْــهُ, ولا ســواهُ مـن الطـيـ ............رِ، فمــا يتَّقـي أخـو اللُّبِّ تَبْلهْ
شعراء العصر
بنـــي الآداب غـــرَّتكم قديمًــا ............زخــارفُ مثــلُ زمزمـةِ الذبـابِ
ومـــا شـــعراؤُكم إلاَّ ذئـــابٌ ............تلصَّــصُ فــي المـدائح والسـبابِ
أَضــرُّ لَمــن تـودُّ مِـن الأعـادي ............وأَسرقُ للمقــالِ مِن الزَّبــابِ
أُقَــارضكم ثنــاءً غــيرَ حــقٍ ............كأَنَّــا منــهُ فـي مَجَـرى سـبابِ
أَ أُذهـــبُ فيكــمُ أَيــامَ شــيبْي ............كمـــا أَذهبــتُ أَيــامَ الشــبابِ
معــاذَ اللّــهِ قـد ودَّعـت جـهلي ............فحســبي مــن تميــمٍ والرَّبـابِ
وألقيــتُ الفصاحــةَ عــن لسـاني ............مســلَّمةً إلــى العــربِ اللَّبــابِ
شغــولٌ ينقضينَ بغيــرِ حمــدٍ ............ولا يرجِعــنَ إلا بالتّبــــابِ
ذرونــي يفقــد الهذيــانَ لفظــي ............وأُغلــق للحِمــامِ عــليَّ بــابي
أيُّها الدنيا
عشـــتُ مـــن أيســرِ حــلِّ, ............وتشـــــــبَّهتُ بظِــــــلِّ
لســــتُ بــــالخِلِّ أُصــــا ............فيـــكَ, ومـــا أنــت بخِــلِّ
ربَّمــــا يعتمــــدُ المــــر ............ءُ عـــلى العُضـــوِ الأثـــلِّ
أيهـــا الدنيـــا! لحــاكِ اللّــهُ ............مـــــــن ربَّـــــــةِ دَلِّ
مـــا تســـلَّى خَــلَدي عــنـ ............كِ, وإن ظـــــنَّ التســـــلِّي
إِنمــــا أبقيــــتِ منــــي, ............للأخــــــلاَّءِ, أقَــــــلِّي
أمسِ أوْديـــــتِ ببعْضـــــي, ............وغــــدًا يَــــذهَبُ كُــــلّي
لــــكِ أوقــــاتي, فخـــلِّيـ ............نــــي, إِذا قمـــتُ أُصـــلِّي
ودَعينــــي, ســـاعةً فـــيـ ............كِ, لمــــــولاي الأجـــــلِّ
والصِّبـــا مُلــكٌ, وقــد يُــبـ ............كَـــى عــلى المُلــكِ المُــوَلِّي
النبأ الصحيح
مــا خــصَّ مصـرًا وبـأٌ وحْدهـا ............بــل كــائنٌ فـي كـلِّ أَرضٍ وبَـأْ
أنبأَنـــا اللــبُّ بلقيــا الــرَّدى ............فــالغوثُ مــن صحــة ذاك النبـأْ
هــل فــارسٌ والـرومُ والـتركُ أو ............ربيعـــةٌ أو مُضَـــرٌ أو ســـبأْ
ناجيـــةٌ فـــي عــزّ أملاكهــا ............أن يُظهــرَ الدَّهــرُ لهـا مـا خبـأْ
ومـــن ســـجايا نبلــهِ أنهــا ............كلُّ قتيــلٍ قتلــتْ لــم يُبــأْ
إن ســار أو حـلَّ الفتـى لـم يـزلْ ............يلحظــهُ المقــدارُ بالمُرْتبــأْ
شجرات أثمرت ناسا
شــرُّ أشــجارٍ, علمــتُ بهــا, ............شَــــجَراتٌ أَثمـــرَتْ ناســـا
حــــملَتْ بِيضًـــا وأَغربـــةً, ............وأتــــتْ بــــالقومِ أجناســـا
كــــلُّهمْ أَخـــفتْ جوانحُـــهُ مــا............ردًا, فــي الصــدرِ, خنَّاسـا
لــم تَسِــقْ عَذبًــا, ولا أَرِجًــا, ............بــــل أَذيّــــاتٍ وأدْناســــا
تَعَــبٌ مــا نحــن فيــه, وهـل ............يجـــلبُ الإيحـــاشُ إيناســـا?
خُــذْ حُســامًا, سَــعدُ أو قلمًــا, ............وخـذي يـا دعـدُ عِرْنـاســا
مغزل العنكبوت
اللّـــهُ إنْ أعطـــاكَ يُجـــزِلْ, ............وكـــأنَّ هــذا الدهــرَ يَهــزِلْ
كِســــرى بنــــى إِيوانَـــه, ............والعنكبـــوتُ تظـــلُّ تَغـــزِلْ
هـــل يشـــعرنَّ الميْـــتُ إنْ ............ ظَهــرُ الــثرى, بـالحيِّ, زُلـزِلْ?
أَرْجـوا ، أو اعتزلــوا، فـإنــ ............ ي عــــن مقـــامِكم بمَعـــزلِ
قــد طــالَ ســيري فـي الحيـا ............ةِ, ولــي ببطــنِ الأرضِ مــنزِلْ
وهذه بعض من أشعار هذا الشاعر العظيم ولنا في الموضوع تتمة لأنه يستحق تمجيده بالفعل
في صباي الباكر، حين أخذت أتلمس طريقي في أرض الشعر القديم. لم يخطر ببالي أن يقوم بيني وبين المعرّي هذا الحوار، أو تنشأ بيني وبينه هذه المودة العميقة.
لم يكن المعري في تلك المرحلة - أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات - مجهولاً أو ملعونًا كما كان من قبل. بل أصبح بفضل طه حسين اسمًا مهيبًا جليلاً مثيرًا، ورمزًا من رموز الاستنارة وحرية الفكر وشجاعة العقل وارتياد المجهول شأن الأرواح العظيمة التي ارتفعت فوق تقاليد الثقافات القومية وصارت علامات في تاريخ الحضارة وملكا للإنسانية كلها.
غير أن قراءة المعرّي في ذلك الوقت كانت -بالنسبة لي ولغيري- صعبة مرهقة. كان الناس يقرأون (مع أبي العلاء في سجنه)، ويتابعون ما يدور من جدل هادئ أو صاخب، مباشر وغير مباشر بين طه حسين، والعقاد، وأمين الخولي، ومحمد فريد وجدي، وعلي أدهم، وكامل كيلاني، ومحمد مندور، وفي الستينيات بين لويس عوض ومحمود شاكر حول شعر المعّري، وفلسفته، وعلاقتها بالفلسفات القديمة والحديثة، و(رسالة الغفران)، وثقافة المعرّي، وعقيدته، وإيمانه وإلحاده. لكن القليلين منهم أو المتخصصين هم الذين كانوا يقرأون (اللزوميات) أو (سقط الزند) أو (رسالة الغفران).
ولقد عرفت المعرّي أول ما عرفته بقليل مما كتبه هو وكثير مما كُتب عنه، فأحببت صاحب السيرة، وانفعلت بشجاعة عقله وكبريائه، وتواضعه، وإبائه، وتمرده، وصلابة خلقه. ولم أجد في نفسي آنذاك حاجة قوية لقراءة شعره.
كنت أحفظ في ذلك الوقت من قصيدة (العلائي)* في الذكرى الألفية للمعرّي أكثر مما أحفظ من شعر صاحب الذكرى الذي لم يكن متاحا لي منه إلا مختارات قليلة من (سقط الزند)، وهو شعره الذي قاله في صباه، فهو لا يخلو من صناعة ظاهرة، وغرام بالغريب، وتهالك على المحسنات، وإن لم يخْلُ أيضا من تحف رائعة، منها مرثيته الشهيرة للفقيه الحنفي التي مطلعها (غير مُجْدٍ في ملّتي واعتقادي.. نَوحُ باكٍ ولا ترنم شاد) وكنت أعرف بالطبع أن شعره في اللزوميات أفضل بكثير، لأنه ثمرة نضج الشخصية وإدراكها لذاتها وامتلاكها لأدواتها، وكنت أقرأ ما أجده من (اللزوميات) في الصحف والمؤلفات المكتوبة عنه، لكني كنت آنذاك مستغرقًا في قراءة الرومانتيكيين والمجددين متعصبًا لهم، فضلا عن بعض الجاهليين الذين اعتقدت آنذاك أنني أستغني بهم عن الكثيرين ممن جاءوا بعدهم، فلم يغرني من شعراء العصور التالية إلا بعض المتصوّفة وبعض العشاق والمُجّان. وظل هذا موقفي إلى أواسط الستينيات حين نشر لويس عوض سلسلة مقالاته (على هامش الغفران) في (الأهرام) فاشتعلت بينه وبين المحقق محمود شاكر معركة عنيفة جدا تصارع فيها العقل مع النقل، وتاريخ الفكر مع فقه النصوص، وخلال متابعتي لهذا الصراع استكملت مقتنياتي من آثار أبي العلاء وانكببت على قراءتها، بادئًا بنسخة صلاح عبد الصبور من (اللزوميات).
أذكر قصيدة من سبعة أبيات كانت مدخلي إلى قراءة اللزوميات. مطلعها هكذا
(تقواك زاد فـــــاعتقد أنــــه أفضـل مـا أودعتـه فـي السـقاء).
وقد أحببت هذه القصيدة بعمق، وصرت أرويها وأتغنى بأبياتها حتى التفت لها عبد الوهاب البياتي، فاستوحاها لزومية من بحرها السريع وقافيتها الهمزية الساكنة مع القاف، يقول في مطلعها (حزنٌ بلا صوتٍ، وقيثارةٌ / أرهَفَها قبل الأوان الشقاءْ). وقد جعلت همزية المعرّي ضمن مختارات من الشعر القديم والحديث قدمتها للقارئ مع تعليقات تساعده على قراءتها وتذوقها في كتاب سميته (في مملكة الشعر).
والمعرّي بالنسبة لي شاعر قبل أي صفة أخرى. لكنه شاعر فريد لم يتكرر في الشعر العربي، فليس شعره من نسيج الذاكرة الجامعة الحافظة وتلفيقاتها، وإنما هو خيال شجاع محلق مغامر يمزق الصمت، ويطرق الأبواب، ويطرح الأسئلة الرهيبة، أسئلة الشاعر الملهوف المثقف المعذب بالتجربة الباحث عن الجواب.
الشاعر كما تمثل في المعرّي كان عند الكثيرين طارئًا غريبًا على الشعر العربي، أو كان مفكرًا يستخدم الشعر، أكثر من كونه شاعرًا يعيش الشعر بكل كيانه وجوارحه، أو لا يعيش إلا الشعر، فليس له شغل، ولا لغة، ولا متعة، ولا نسب، ولا قضية، ولا التزام إلا الشعر.
والمعرّي هو أحمد بن عبد الله بن سليمان. ولد في معرّة النعمان في شمال سوريا سنة ثلاث وستين وثلاثمائة هجرية (973 ميلادية) وفي الرابعة من عمره أصيب بالجدري وفقد بصره. درس على أبيه الذي مات وهو في الرابعة عشرة من عمره، فرحل إلى حلب حيث كانت الحركة الثقافية التي ازدهرت في ظل سيف الدولة لاتزال نشيطة، ومن حلب إلى أنطاكية، وكانت لاتزال تدافع عما بقي لها من تراثها البيزنطي، ومن أنطاكية توجّه إلى طرابلس الشام، ومرّ باللاذقية فأخذ عن بعض الرهبان ما وجده عندهم من علوم اليونان وآرائهم الفلسفية.
في عام 398 هجرية رحل إلى بغداد حيث مكث عامين عاد بعدهما إلى معرّه النعمان ليجد أمه قد لحقت بأبيه فاعتزل الناس إلاّ خاصة طلاّبه وخادمه الذي كان يتقاسم معه دخله السنوي وهو ثلاثون دينارًا كان يستحقها من وقف. ورحل المعري سنة تسع وأربعين وأربعمائة هجرية.
لم يبق من مؤلفاته إلاّ (سقْط الزند)، و(اللزوميّات)، و(رسالة الغفران)، وعدد من الرسائل الصغيرة.
أغاني المحبسين
آه غدًا
تقــــواكَ زادٌ فـــاعتقِدْ أنـــهُ.............أَفضلُ ما أودعتَهُ في السِّقـــاءْ
آهٍ غـــدًا مــن عَــرَقٍ نــازلٍ............ومهجـــةٍ مولعـــةٍ بارتقـــاءْ
ثـــوبيَ محتــاجٌ إلــى غاســلٍ ............وليــتَ قلبــي مثلـهُ فـي النقـاءْ
مـــوتٌ يســيرٌ معــهُ رحمــةٌ............ خــيرٌ مـن اليسـرِ وطـولِ البقـاءْ
وقـــد بلَوْنــا العيش أطوارَهُ ............فمــا وجدنــا فيـهِ غـيرَ الشـقاءْ
تقَـــدَّمَ النـــاس فيــا شــوقَنا ............إلــى اتّبــاعِ الأَهــلِ والأَصدقـاءْ
مــا أطْيَــبَ المــوتَ لشُــرَّابهِ............ إن صــحَّ للأَمـواتِ وَشْـكُ التقـاءْ
أيام الشباب
أصبـحتُ أَلحـــى خَلَّتيَّــــا............هــــاتيكَ أُبغِضُهــــا وتَيّـــا
ودُعِيــــتُ شـــيخًا, بعدَمـــا ............سُـــمّيتُ, فــي زمــنٍ, فُتيّــا
وكفيتُ صَحبــــي إِلَّتيَّــــا ............بعــــدَ اللُّتيّــــا واللُّتيّــــا
ســـــقيًا لأيــــامِ الشــــبا............ بِ, ومـــا حسَـــرتُ مطيَّتيَّــا
أيــــــامَ آمُــــــلُ أنْ أَمُسَّ ............الفرقــــــدَين براحتيّــــــا
وأِفيــــضُ إِحســـاني عـــلى............جــــاريَّ, ثَـــمَّ, وجارَتيّـــا
فــــالآن تعجــــزُ همَّتـــي ............عمَّــــا يُنــــالُ بخُطوَتيّـــا
أوصــــى ابنتيـــهِ لبيـــدٌ الـ ............مـــاضي, ولا أوصــي ابنتيَّــا
لســتُ المفــاخرَ, فــي الرّجــا ............لِ, بعَمَّتــــــيَّ وخالتيَّـــــا
لكـــــنْ أُقِــــرُّ بــــأنَّني............ضـَرَعٌ ، أُمْــــارسُ دارتيّا
واللّــــــهُ يرحـــــمني, إذا ............ أُودِعـــتُ أَضَيَـــقَ ســـاحتيّا
لا تَجــــــعلَنْ حـــــالي, إذا ............غُيِّبــــتُ, أيــــأسَ حالتيّـــا
لا تظلموا الموتى
الغيــبُ مجــهولٌ, يُحــارُ دليلُـهُ; واللُّــبُّ يــأمرُ أهلَــه أن يتَّقُـوا
لا تظلمـوا المـوتى, وإِن طـال المدَى; إِنــي أخــافُ عليكــمُ أن تلتقُـوا
الرواة الكذابون
ألا يكشِـفُ القُصّـاصَ والٍ, فـإنْ همُ ............أتَــوْا بيقيــنٍ, فليقُصُّــوا لِيَنفعـوا
وإنْ خَرَصـــوا مَينًا، بغيـرِ تحرُّجٍ،............ فـأوجبُ شـيءٍ أن يُهـانوا ويُصفَعوا
ثلاثة سجون
أرانــي فـي الثلاثـةِ مـن سـجوني ............فلا تسأَل عن الخبـــر النبيثِ
لفقــدي نــاظري ولــزومِ بيتـي ............وكــون النفس فـي الجسـد الخـبيثِ
العصا الوفية
عصًـا فـي يدِ الأعمى يرومُ بها الهدى ............أَبَـرُّ لـهُ مـن كـلّ خـدنٍ وصاحبِ
فأَوســعْ بنـي حـواء هجـرًا فـإنهم ............يسيرون في نهجٍ من الغدرِ لاحبِ
وإن غَـيَّرَ الإثـمُ الوجـوهَ فمـا ترى ............لـدى الحشـرِ إلا كـلَّ أسـودَ شاحبِ
إذا مـا أشـارَ العقـلُ بالرشـدِ جرَّهم ............إلـى الغـيّ طبـعٌ أَخْـذُهُ أَخْـذُ ساحبِ
أيتها النفس
أيَّتُهـــــا النفسُ لا تُهـــــالي!............ شــرْخيَ قــد مــرَّ واكتهــالي
لـــم يبـــقَ إلا شَــفًا يســيرٌ,............قــرَّبَ مــن مــوْردِي نِهــالي
وابتهـــلَ الدَّهــرُ فــي أذاتــي............وكــانَ فــي البــاطِلِ ابْتهــالي
وأُمُّ دَفــرٍ فتـــــاةُ سُــوءٍ،............ تخـــبُؤني فــي ثــرىً مُهــالِ
مُرْسِــــلةً غــــارةً بخَـــيْلٍ,............قد غنــيَتْ عن هَبٍ وهـــالِ
وجـــدْتُ حُــبِّي لهــا قديمًــا,............وقـــد تبيَّنـــتُ مَقتَهــا لــي
وجوه للبيع!
أجــارحيَ الــذي أدمــى أسـاني,............وســالبُ حُــلَّتي عنــي كسـاني
فمــا لـي لا أقـولُ, ولـي لسـانٌ,............وقــد نطَــقَ الزمـانُ بـلا لسـانِ
عسـا عمـرٌو عـن الطـوقِ المُعرِّي,............فقد جـانبتُ علــيِّ، أو عســاني
وبيعــت بــالفلوس, لكـلِّ خَـزيٍ,............وُجـــوهٌ كالدَّنـــانيرِ الحِســـانِ
ولــوْ أنــي أُعَــدُّ بـألفِ بحـرٍ, ............لمــرَّ عــليّ مــوْتٌ, فاحتسـاني
ظلامــي والنهــارُ قــد اســتمرا ............عــليَّ, كمــا تتــابعَ فارســانِ
سحاب المنون
دمـعٌ, عـلى مـا يفـوتُ, منسـكبٌ............مـا الكـأسُ مـن همَّتـي ولا الجـامُ
نحــنُ ذئــابٌ ضَرَّاؤنــا مَــددٌ, ............لا أُسُــــدٌ, والثيـــابُ آجـــامُ
والنـاسُ شـتَّى, جـرَى بهـمْ قـدَرٌ,............إذا طَغـــى لــم يعُفْــهُ إلجــامُ
وعــالمي فــي ســفاهةٍ وخَـنّى, ............عالِمُـــهُ, بـــالظنونِ, رجَّـــامُ
قــد كــتبَ اللّـهُ للـردي صُحفـا, ............وبـــانَ نَقـــطٌ لهــا وإعْجــامُ
فيــا سَـحابَ المنـونِ! سِـلتِ بنـا, ............هل لكِ، أُخــرى الزمــانِ، إِنجامُ?
تــواصلتْ منــكِ, بيننــا, دِيـمٌ, ............وزِيـدَ فيهــا سَحٌ وإِثجــــامُ
كــم أســوَدٍ مـن أمامـهِ حُجُـبٌ, ............عليـــه ضيـــفُ الأذاةِ هجّـــامُ
وأحجــمَ القِــرنُ عــن فوارسِـه, ............ومــا لــرَيبِ المَنــونِ إِحجــامُ
تلــكَ بــلادُ النبـاتِ مـا سُـقِيتْ, ............والغيــمُ فــوقَ الرِّمــالِ سـجَّامُ
كونوا أشجارا
إذ عُـدَّتِ الأوطـانُ فـي كـلِّ بلـدةٍ, ............لقــومٍ, سـجونًا, فـالقبورُ حـصونُ
ومـا كـان هـذا العيشُ إلاَّ إذالةً ............فعــلَّ تُرابًــا بالحِمــامِ يصـونُ
فكـنْ بعـض أشجارٍ تقضَّتْ أُصولُها, ............ولـم يبـقَ, فـي الدُّنيا, لهنَّ غصونُ
النحلة الغافلة
قــد غــدَت النَّحـلُ إلـى نَوْرِهـا; ............ويحــكِ يـا نحـلُ لِمَـنْ تكسِـبينْ?
يجـيءُ مُشتــــارٌ بآلاتــهِ، ............فيلسَـبُ الأرْي ولا تَلْسبِيــنْ
أتحســبِينَ العمــرَ عِلمًــا بــه, ............لا بـــلْ تعيشــينَ ولا تَحســبينْ
هــل لــكِ بالآبـاءِ مـن خِـبرَةٍ, ............كــم والــدٍ فــي زمَـنٍ تنسِـبِينْ
أتحســـبِينَ الدَّهـــرَ ذا غفلــةٍ, ............هيهـاتَ! مـا الأمـرُ كمـا تحسـبِينْ!
الدهر الأبله
عِشْ بخـيلاً, كـأهلِ عصـرِكَ هـذا, ............وتَبالَـــهْ, فــإنَّ دهــرَك أبْلَــهْ
قـومُ سـوءٍ, فالشِّبلُ منهم يغُول الليـ ............ثَ فَرْسًــا, والليــثُ يـأكلُ شِـبلهْ
إِن تُـرِدْ أن تخـصَّ حُـرًّا, مـن النا ............سِ, بخــيرٍ, فخُــصَّ نفسَـكَ قبلَـهْ
بَعِدَ الشَّرْبُ ، قرَبــوا أمَّ ليلــى ............لتعــيرَ اللسـانَ, فـي اللفـظِ, خبلَـهْ
أوْردُوكَ الأذى, لتغـــرَقَ فيـــه, ............وأَرَوْكَ الخَــنى, لتعــرِف سُــبلهْ
وأرانــي مـرمَى لصـرْفِ الليـالي, ............يحــتذيني, فلســتُ أعــدَمُ نَبْلــهْ
هــل تَـرى ناعبًـا, كعنـترة العَـبـ ............ســيّ, يبكـي عـلى منـازلِ عبلَـهْ
لا تَهَبْــهُ, ولا ســواهُ مـن الطـيـ ............رِ، فمــا يتَّقـي أخـو اللُّبِّ تَبْلهْ
شعراء العصر
بنـــي الآداب غـــرَّتكم قديمًــا ............زخــارفُ مثــلُ زمزمـةِ الذبـابِ
ومـــا شـــعراؤُكم إلاَّ ذئـــابٌ ............تلصَّــصُ فــي المـدائح والسـبابِ
أَضــرُّ لَمــن تـودُّ مِـن الأعـادي ............وأَسرقُ للمقــالِ مِن الزَّبــابِ
أُقَــارضكم ثنــاءً غــيرَ حــقٍ ............كأَنَّــا منــهُ فـي مَجَـرى سـبابِ
أَ أُذهـــبُ فيكــمُ أَيــامَ شــيبْي ............كمـــا أَذهبــتُ أَيــامَ الشــبابِ
معــاذَ اللّــهِ قـد ودَّعـت جـهلي ............فحســبي مــن تميــمٍ والرَّبـابِ
وألقيــتُ الفصاحــةَ عــن لسـاني ............مســلَّمةً إلــى العــربِ اللَّبــابِ
شغــولٌ ينقضينَ بغيــرِ حمــدٍ ............ولا يرجِعــنَ إلا بالتّبــــابِ
ذرونــي يفقــد الهذيــانَ لفظــي ............وأُغلــق للحِمــامِ عــليَّ بــابي
أيُّها الدنيا
عشـــتُ مـــن أيســرِ حــلِّ, ............وتشـــــــبَّهتُ بظِــــــلِّ
لســــتُ بــــالخِلِّ أُصــــا ............فيـــكَ, ومـــا أنــت بخِــلِّ
ربَّمــــا يعتمــــدُ المــــر ............ءُ عـــلى العُضـــوِ الأثـــلِّ
أيهـــا الدنيـــا! لحــاكِ اللّــهُ ............مـــــــن ربَّـــــــةِ دَلِّ
مـــا تســـلَّى خَــلَدي عــنـ ............كِ, وإن ظـــــنَّ التســـــلِّي
إِنمــــا أبقيــــتِ منــــي, ............للأخــــــلاَّءِ, أقَــــــلِّي
أمسِ أوْديـــــتِ ببعْضـــــي, ............وغــــدًا يَــــذهَبُ كُــــلّي
لــــكِ أوقــــاتي, فخـــلِّيـ ............نــــي, إِذا قمـــتُ أُصـــلِّي
ودَعينــــي, ســـاعةً فـــيـ ............كِ, لمــــــولاي الأجـــــلِّ
والصِّبـــا مُلــكٌ, وقــد يُــبـ ............كَـــى عــلى المُلــكِ المُــوَلِّي
النبأ الصحيح
مــا خــصَّ مصـرًا وبـأٌ وحْدهـا ............بــل كــائنٌ فـي كـلِّ أَرضٍ وبَـأْ
أنبأَنـــا اللــبُّ بلقيــا الــرَّدى ............فــالغوثُ مــن صحــة ذاك النبـأْ
هــل فــارسٌ والـرومُ والـتركُ أو ............ربيعـــةٌ أو مُضَـــرٌ أو ســـبأْ
ناجيـــةٌ فـــي عــزّ أملاكهــا ............أن يُظهــرَ الدَّهــرُ لهـا مـا خبـأْ
ومـــن ســـجايا نبلــهِ أنهــا ............كلُّ قتيــلٍ قتلــتْ لــم يُبــأْ
إن ســار أو حـلَّ الفتـى لـم يـزلْ ............يلحظــهُ المقــدارُ بالمُرْتبــأْ
شجرات أثمرت ناسا
شــرُّ أشــجارٍ, علمــتُ بهــا, ............شَــــجَراتٌ أَثمـــرَتْ ناســـا
حــــملَتْ بِيضًـــا وأَغربـــةً, ............وأتــــتْ بــــالقومِ أجناســـا
كــــلُّهمْ أَخـــفتْ جوانحُـــهُ مــا............ردًا, فــي الصــدرِ, خنَّاسـا
لــم تَسِــقْ عَذبًــا, ولا أَرِجًــا, ............بــــل أَذيّــــاتٍ وأدْناســــا
تَعَــبٌ مــا نحــن فيــه, وهـل ............يجـــلبُ الإيحـــاشُ إيناســـا?
خُــذْ حُســامًا, سَــعدُ أو قلمًــا, ............وخـذي يـا دعـدُ عِرْنـاســا
مغزل العنكبوت
اللّـــهُ إنْ أعطـــاكَ يُجـــزِلْ, ............وكـــأنَّ هــذا الدهــرَ يَهــزِلْ
كِســــرى بنــــى إِيوانَـــه, ............والعنكبـــوتُ تظـــلُّ تَغـــزِلْ
هـــل يشـــعرنَّ الميْـــتُ إنْ ............ ظَهــرُ الــثرى, بـالحيِّ, زُلـزِلْ?
أَرْجـوا ، أو اعتزلــوا، فـإنــ ............ ي عــــن مقـــامِكم بمَعـــزلِ
قــد طــالَ ســيري فـي الحيـا ............ةِ, ولــي ببطــنِ الأرضِ مــنزِلْ
وهذه بعض من أشعار هذا الشاعر العظيم ولنا في الموضوع تتمة لأنه يستحق تمجيده بالفعل
أشعار أخرى لأبي العلاء المعري
وهاهنا ننشر بعض أشعار وأرجو ممن يعرف اي قصيدة له أن يكتبها هنا لنثري المنتدى بكتابته
الثلج والقار
لـو صـحَّ ما قالَ رَسطاليسُ, من قِدَمٍ,........وهـبَّ مَـن مـاتَ لـم يجمعهمُ الفَلَكُ
ومـذهبي, فـي البرايـا, كونُهُمْ شيَعًا, ,........كـالثَّلج والقـارِ, منـه الجَونُ والحَلَكُ
مـا اسـودَّ حـامٌ لـذنبٍ كـان أَحدَثَهُ, ,........لكــنْ غريـزةُ لَـونٍ خطَّهـا المَلِـكُ
إِن لـم يكـنْ, فـي سماءٍ فوقَنا, بشرٌ, ,........فليسَ فـي الأرضِ, أو مـا تحتها, ملَكُ
كـم حـلَّ, حيثُ تبنَّى الحيُّ, من أُممٍ, ,........ثـم انقَضـوا, وسـبيلا واحـدًا سَلَكوا
إِن تسـألِ العقـلَ, لا يوجـدْكَ من خبرٍ ,........عــن الأوائــلِ, إِلاَّ أَنَّهـمْ هلَكـوا
ضحكنا
ضَحِكنـا, وكـان الضِّحكُ منَّا سَفَاهَةً, ,........وحُــقَّ لسُـكَّانِ البسـيطةِ أن يبكـوا
يُحطِّمُنــا رَيْــبُ الزَّمـانِ, كأنَّنـا ,........زُجــاجٌ, ولكـن لا يُعـادُ لـه سَـبْكُ
وسنستمر في نشر اشعاره الجميلة ان شاء الله
الثلج والقار
لـو صـحَّ ما قالَ رَسطاليسُ, من قِدَمٍ,........وهـبَّ مَـن مـاتَ لـم يجمعهمُ الفَلَكُ
ومـذهبي, فـي البرايـا, كونُهُمْ شيَعًا, ,........كـالثَّلج والقـارِ, منـه الجَونُ والحَلَكُ
مـا اسـودَّ حـامٌ لـذنبٍ كـان أَحدَثَهُ, ,........لكــنْ غريـزةُ لَـونٍ خطَّهـا المَلِـكُ
إِن لـم يكـنْ, فـي سماءٍ فوقَنا, بشرٌ, ,........فليسَ فـي الأرضِ, أو مـا تحتها, ملَكُ
كـم حـلَّ, حيثُ تبنَّى الحيُّ, من أُممٍ, ,........ثـم انقَضـوا, وسـبيلا واحـدًا سَلَكوا
إِن تسـألِ العقـلَ, لا يوجـدْكَ من خبرٍ ,........عــن الأوائــلِ, إِلاَّ أَنَّهـمْ هلَكـوا
ضحكنا
ضَحِكنـا, وكـان الضِّحكُ منَّا سَفَاهَةً, ,........وحُــقَّ لسُـكَّانِ البسـيطةِ أن يبكـوا
يُحطِّمُنــا رَيْــبُ الزَّمـانِ, كأنَّنـا ,........زُجــاجٌ, ولكـن لا يُعـادُ لـه سَـبْكُ
وسنستمر في نشر اشعاره الجميلة ان شاء الله
رد: من هو أبو العلاء المعري
ضجعة الموت رقدة
سقط الزند (لأبي العلاء المعري) العباسي الرثاء
يرثي فقيهاً حنيفاً
الخفيف الدال 7
غَيْرُ مُجْدٍ، في مِلّتي واعْتِقادي،
نَوْحُ باكٍ، ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعِيّ، إذا قِيـ
ـسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ
أبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ، أمْ غَـ
ـنّتْ عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ؟
صَاحِ! هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ
ـبَ، فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ؟
خَفّفِ الوَطْءَ! ما أظُنّ أدِيمَ الْـ
ـأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقَبيحٌ بنَا، وإنْ قَدُمَ العَهْـ
ـدُ، هَوَانُ الآبَاءِ وَالأجْدادِ
سِرْ، إنِ اسْطَعتَ، في الـهَوَاءِ رُوَيداً
لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً،
ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ،
في طَويلِ الأزْمانِ وَالآبادِ
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا
مِنْ قَبيلٍ، وآنسا من بلادِ
كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ؛
وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ
تَعَبٌ كُلّها الحَياةُ، فَما أعْـ
ـجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْدِيادِ
إنّ حُزْناً، في ساعةِ المَوْتِ، أضْعَا
فُ سُرُورٍ، في ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ، فضَلّتْ
أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفَادِ
إنّمَا يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما
لٍ إلى دارِ شِقوَةٍ، أوْ رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يَستريحُ الـ
ـجِسْمُ فيها، والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
أبَناتِ الـهَديلِ! أسْعِدْنَ، أوْ عِدْ
نَ قَليلَ العَزاءِ بالإسْعَادِ
إيهِ! للّهِ دَرّكُنّ، فأنْتنّ الـ
ـلوَاتي تُحْسِنّ حِفْظَ الوِدادِ
ما نَسيتُنّ هالِكاً في الأوانِ الـ
ـخَالِ، أوْدَى مِنْ قَبلِ هُلكِ إيادِ
بَيْدَ أنّي لا أرْتَضِي مَا فَعَلْتُـ
ـنّ، وَأطْوَاقُكُنّ في الأجْيَادِ
فَتَسَلّبْنَ، وَاسْتَعِرْنَ، جَميعاً
منْ قَميصِ الدّجَى، ثيابَ حِدادِ
ثُمّ غَرِّدْنَ في المَآتِمِ، وَانْدُبْـ
ـنَ بِشَجْوٍ مَعَ الغَواني الخِرادِ
قَصَدَ الدّهْرُ، من أبي حَمزَةَ الأوّ
ابِ، مَوْلى حِجىً، وخِدنَ اقتصَادِ
وفَقيهاً، أفكارهُ شِدْنَ، للنَعْـ
ـمانِ، مَا لم يَشِدْهُ شعرُ زِيادِ
فالعِراقيُّ، بَعْدَهُ، للحِجازِ
يّ، قليلُ الخِلافِ سَهْلُ القِيادِ
مُستَقي الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ،
بِغُرُوبِ اليَرَاعِ، ماءَ مِدادِ
ذا بَنَانٍ، لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْـ
ـمَرَ، زُهْداً في العَسجَدِ المُستَفادِ
وَدِّعا، أيّها الحَفيّانِ، ذاكَ الـ
ـشّخْصَ، إنّ الوَداعَ أيسَرُ زَادِ
وَاغْسِلاهُ بالدّمعِ، إنْ كانَ طُهْراً،
وَادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَى وَالفُؤادِ
وَاحْبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْـ
ـحَفِ، كِبْراً عن أنْفَسِ الأبْرادِ
وَاتْلُوَا النّعْشَ بالقِراءَةِ وَالتّسْـ
ـبِيحِ، لا بالنّحيبِ وَالتّعْدادِ
أسَفٌ غَيْرُ نافِعٍ، وَاجْتِهادٌ
لا يُؤدّي إلى غَنَاءِ اجْتِهادِ
طالَما أخْرَجَ الحَزينُ جَوَى الحُزْ
نِ إلى غَيْرِ لائِقٍ بالسَّدادِ
مِثْلَ ما فاتَتِ الصّلاةُ سُلَيْمَا
نَ، فَأنْحَى عَلى رِقابِ الجِيادِ
وهوَ مَنْ سُخّرَتْ لـهُ الإنْسُ والجِـ
ـنّ، بما صَحّ من شَهادَةِ صَادِ
خافَ غَدْرَ الأنامِ، فاستَوْدَعَ الرّيـ
ـحَ سَليلاً، تَغْذُوهُ دَرَّ العِهَادِ
وَتَوَخَىّ لَهُ النّجاةَ، وَقَدْ أيْـ
ـقَنَ أنّ الحِمَامَ بالمِرْصَادِ
فَرَمَتْهُ بهِ، على جانِبِ الكُرْ
سِيّ، أُمُّ اللُّهَيْمِ، أُخْتُ النّآدِ
كيفَ أصْبَحتَ، في محَلّكَ، بعدي،
يا جَديراً منّي بحُسْنِ افتِقادِ
قد أقَرّ الطّبيبُ عَنْكَ بِعَجْزٍ؛
وَتَقَضىّ تَرَدّدُ العُوّادِ
وَانتَهَى اليأسُ مِنكَ، وَاستشعَرَ الوَجـ
ـدُ بأنْ لا مَعادَ، حتى المعادِ
هَجَدَ السّاهرُونَ، حَوْلَكَ، للتمْـ
ـريضِ؛ وَيحٌ لأعْيُنِ الـهُجّادِ
أنتَ مِن أُسْرَةٍ مَضَوْا، غَيرَ مَغْرُو
رينَ مِنْ عيشَةٍ بِذاتِ ضِمادِ
لا يُغَيّرْكُمُ الصّعيدُ، وكونوا
فيهِ مثلَ السّيوفِ في الأغمادِ
فَعَزيزٌ عَليّ خَلْطُ اللّيالي
رِمَّ أقدامِكُمُ بِرِمّ الـهَوَادي
كُنتَ خِلّ الصِّبا، فلَمّا أرادَ الـ
ـبَينَ وَافَقْتَ رأيَهُ في المُرادِ
ورأيتَ الوَفاءَ، للصّاحِبِ الأ
وّلِ، مِنْ شيمَةِ الكَريمِ الجَوادِ
وَخَلَعْتَ الشّبابَ غَضّاً، فَيا لَيْـ
ـتَكَ أبْلَيْتَهُ مَعَ الأنْدادِ
فاذْهَبا خَيرَ ذاهبَينِ، حقيقَيْـ
ـنِ بِسُقْيا رَوائِحٍ وَغَوَادِ
ومَراثٍ، لَوْ أنّهُنّ دُمُوعٌ
لمَحَوْنَ السّطُورَ في الإنْشَادِ
زُحَلٌ أشرَفُ الكَواكبِ داراً،
مِنْ لِقاءِ الرّدَى، على ميعادِ
ولِنارِ المِرّيخِ مِن حَدَثانِ الدّهَـ
ـرِ مُطْفٍ، وَإنْ عَلَتْ في اتّقَادِ
وَالثّرَيّا رِهينَةٌ بِافْتِراقِ الـ
ـشّمْلِ، حَتّى تُعَدّ في الأفرادِ
فليَكُنْ للْمُحَسِّنِ الأجلُ المَمْـ
ـدود، رغماً لآنُفِ الحُسِّادِ
وَلْيَطِبْ عَنْ أخيهِ نَفساً،وأبْنا
ء أخيهِ، جَرائحِ الأكبادِ
وإذا البَحْرُ غاضَ عَنّي، ولم أرْ
وَ، فلا رِيّ بادّخارِ الثِّمادِ
كُلُّ بَيْتٍ للْهَدْمِ، ما تَبْتَني الوَرْ
قاءُ، والسّيّدُ الرّفيعُ العِمادِ
والفَتى ظاعِنٌ، ويَكفيهِ ظِلُّ الـ
ـسّدْرِ ضَرْبَ الأظْنابِ وَالأوْتادِ
بانَ أمْرُ الإلَهِ، وَاختَلَفَ النّا
سُ، فَداعٍ إلى ضَلالٍ وَهَادِ
وَالّذي حارَتِ البَرِيّةُ فِيهِ
حَيَوَانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِن جَمادِ
وَاللّبيبُ اللّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغْتَـ
ـرّ بِكَوْنٍ، مَصيرُهُ للفَسادِ
سقط الزند (لأبي العلاء المعري) العباسي الرثاء
يرثي فقيهاً حنيفاً
الخفيف الدال 7
غَيْرُ مُجْدٍ، في مِلّتي واعْتِقادي،
نَوْحُ باكٍ، ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعِيّ، إذا قِيـ
ـسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ
أبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ، أمْ غَـ
ـنّتْ عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ؟
صَاحِ! هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ
ـبَ، فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ؟
خَفّفِ الوَطْءَ! ما أظُنّ أدِيمَ الْـ
ـأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقَبيحٌ بنَا، وإنْ قَدُمَ العَهْـ
ـدُ، هَوَانُ الآبَاءِ وَالأجْدادِ
سِرْ، إنِ اسْطَعتَ، في الـهَوَاءِ رُوَيداً
لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً،
ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ،
في طَويلِ الأزْمانِ وَالآبادِ
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا
مِنْ قَبيلٍ، وآنسا من بلادِ
كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ؛
وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ
تَعَبٌ كُلّها الحَياةُ، فَما أعْـ
ـجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْدِيادِ
إنّ حُزْناً، في ساعةِ المَوْتِ، أضْعَا
فُ سُرُورٍ، في ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ، فضَلّتْ
أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفَادِ
إنّمَا يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما
لٍ إلى دارِ شِقوَةٍ، أوْ رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يَستريحُ الـ
ـجِسْمُ فيها، والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
أبَناتِ الـهَديلِ! أسْعِدْنَ، أوْ عِدْ
نَ قَليلَ العَزاءِ بالإسْعَادِ
إيهِ! للّهِ دَرّكُنّ، فأنْتنّ الـ
ـلوَاتي تُحْسِنّ حِفْظَ الوِدادِ
ما نَسيتُنّ هالِكاً في الأوانِ الـ
ـخَالِ، أوْدَى مِنْ قَبلِ هُلكِ إيادِ
بَيْدَ أنّي لا أرْتَضِي مَا فَعَلْتُـ
ـنّ، وَأطْوَاقُكُنّ في الأجْيَادِ
فَتَسَلّبْنَ، وَاسْتَعِرْنَ، جَميعاً
منْ قَميصِ الدّجَى، ثيابَ حِدادِ
ثُمّ غَرِّدْنَ في المَآتِمِ، وَانْدُبْـ
ـنَ بِشَجْوٍ مَعَ الغَواني الخِرادِ
قَصَدَ الدّهْرُ، من أبي حَمزَةَ الأوّ
ابِ، مَوْلى حِجىً، وخِدنَ اقتصَادِ
وفَقيهاً، أفكارهُ شِدْنَ، للنَعْـ
ـمانِ، مَا لم يَشِدْهُ شعرُ زِيادِ
فالعِراقيُّ، بَعْدَهُ، للحِجازِ
يّ، قليلُ الخِلافِ سَهْلُ القِيادِ
مُستَقي الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ،
بِغُرُوبِ اليَرَاعِ، ماءَ مِدادِ
ذا بَنَانٍ، لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْـ
ـمَرَ، زُهْداً في العَسجَدِ المُستَفادِ
وَدِّعا، أيّها الحَفيّانِ، ذاكَ الـ
ـشّخْصَ، إنّ الوَداعَ أيسَرُ زَادِ
وَاغْسِلاهُ بالدّمعِ، إنْ كانَ طُهْراً،
وَادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَى وَالفُؤادِ
وَاحْبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْـ
ـحَفِ، كِبْراً عن أنْفَسِ الأبْرادِ
وَاتْلُوَا النّعْشَ بالقِراءَةِ وَالتّسْـ
ـبِيحِ، لا بالنّحيبِ وَالتّعْدادِ
أسَفٌ غَيْرُ نافِعٍ، وَاجْتِهادٌ
لا يُؤدّي إلى غَنَاءِ اجْتِهادِ
طالَما أخْرَجَ الحَزينُ جَوَى الحُزْ
نِ إلى غَيْرِ لائِقٍ بالسَّدادِ
مِثْلَ ما فاتَتِ الصّلاةُ سُلَيْمَا
نَ، فَأنْحَى عَلى رِقابِ الجِيادِ
وهوَ مَنْ سُخّرَتْ لـهُ الإنْسُ والجِـ
ـنّ، بما صَحّ من شَهادَةِ صَادِ
خافَ غَدْرَ الأنامِ، فاستَوْدَعَ الرّيـ
ـحَ سَليلاً، تَغْذُوهُ دَرَّ العِهَادِ
وَتَوَخَىّ لَهُ النّجاةَ، وَقَدْ أيْـ
ـقَنَ أنّ الحِمَامَ بالمِرْصَادِ
فَرَمَتْهُ بهِ، على جانِبِ الكُرْ
سِيّ، أُمُّ اللُّهَيْمِ، أُخْتُ النّآدِ
كيفَ أصْبَحتَ، في محَلّكَ، بعدي،
يا جَديراً منّي بحُسْنِ افتِقادِ
قد أقَرّ الطّبيبُ عَنْكَ بِعَجْزٍ؛
وَتَقَضىّ تَرَدّدُ العُوّادِ
وَانتَهَى اليأسُ مِنكَ، وَاستشعَرَ الوَجـ
ـدُ بأنْ لا مَعادَ، حتى المعادِ
هَجَدَ السّاهرُونَ، حَوْلَكَ، للتمْـ
ـريضِ؛ وَيحٌ لأعْيُنِ الـهُجّادِ
أنتَ مِن أُسْرَةٍ مَضَوْا، غَيرَ مَغْرُو
رينَ مِنْ عيشَةٍ بِذاتِ ضِمادِ
لا يُغَيّرْكُمُ الصّعيدُ، وكونوا
فيهِ مثلَ السّيوفِ في الأغمادِ
فَعَزيزٌ عَليّ خَلْطُ اللّيالي
رِمَّ أقدامِكُمُ بِرِمّ الـهَوَادي
كُنتَ خِلّ الصِّبا، فلَمّا أرادَ الـ
ـبَينَ وَافَقْتَ رأيَهُ في المُرادِ
ورأيتَ الوَفاءَ، للصّاحِبِ الأ
وّلِ، مِنْ شيمَةِ الكَريمِ الجَوادِ
وَخَلَعْتَ الشّبابَ غَضّاً، فَيا لَيْـ
ـتَكَ أبْلَيْتَهُ مَعَ الأنْدادِ
فاذْهَبا خَيرَ ذاهبَينِ، حقيقَيْـ
ـنِ بِسُقْيا رَوائِحٍ وَغَوَادِ
ومَراثٍ، لَوْ أنّهُنّ دُمُوعٌ
لمَحَوْنَ السّطُورَ في الإنْشَادِ
زُحَلٌ أشرَفُ الكَواكبِ داراً،
مِنْ لِقاءِ الرّدَى، على ميعادِ
ولِنارِ المِرّيخِ مِن حَدَثانِ الدّهَـ
ـرِ مُطْفٍ، وَإنْ عَلَتْ في اتّقَادِ
وَالثّرَيّا رِهينَةٌ بِافْتِراقِ الـ
ـشّمْلِ، حَتّى تُعَدّ في الأفرادِ
فليَكُنْ للْمُحَسِّنِ الأجلُ المَمْـ
ـدود، رغماً لآنُفِ الحُسِّادِ
وَلْيَطِبْ عَنْ أخيهِ نَفساً،وأبْنا
ء أخيهِ، جَرائحِ الأكبادِ
وإذا البَحْرُ غاضَ عَنّي، ولم أرْ
وَ، فلا رِيّ بادّخارِ الثِّمادِ
كُلُّ بَيْتٍ للْهَدْمِ، ما تَبْتَني الوَرْ
قاءُ، والسّيّدُ الرّفيعُ العِمادِ
والفَتى ظاعِنٌ، ويَكفيهِ ظِلُّ الـ
ـسّدْرِ ضَرْبَ الأظْنابِ وَالأوْتادِ
بانَ أمْرُ الإلَهِ، وَاختَلَفَ النّا
سُ، فَداعٍ إلى ضَلالٍ وَهَادِ
وَالّذي حارَتِ البَرِيّةُ فِيهِ
حَيَوَانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِن جَمادِ
وَاللّبيبُ اللّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغْتَـ
ـرّ بِكَوْنٍ، مَصيرُهُ للفَسادِ
الـقـمـــــر الـشـــــارد :: المنتديات الشعرية :: ...منتدى الشعر العربي القديم :: .........ما بعد الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى